منقول (من منتدى أفواج أمل)
[img]
[/img]
في العام 1974 توّج الإمام الصدر حركته السياسيّة والمطلبيّة منذ بداياته الأولى، وذلك بإعلان ولادة حركة المحرومين في المهرجانين الجماهيريّيَن الكبيرين في كلّ من بعلبك وصور، واللذين اعتُبـرا أهمّ حدث سياسي مطلبي جماهيري في تاريخ لبنان المعاصر، وهزّا السلطة وأركانها، ممّا دفع بأركان الحكم إلى التوسّل بوساطات متعدّدة مع الإمام الصدر قامت بها رموز سياسيّة لبنانيّة من مختلف الطوائف.
وفي هذا العام بالذات تبلورت حركة الإمام الصدر، وتوضّحت معالم مشروعه السياسي الوطني، ولم تحجب هويّته المذهبيّة صورته الوطنيّة الإنسانيّة، حيث لاقت حركته تجاوباً ودعماً وتأييداً من مختلف نخب لبنان السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة من مختلف الطوائف.
[img]
[/img]
سأبقى القلم الذي لا يغرف إلا من حبر الحقيقة
وأطلق الامام الصدر العديد من المواقف التي تعبر عن الحرمان الذي اصاب المحرومين من كافة الطوائف في العديد من المهرجانات قبل مهرجان الانطلاقة في بعلبك ومنها :
ذكرى عاشوراء :
وبمناسبة ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) أقيم احتفال في الكلّيّة العامليّة بتاريخ 1/2/1974 تحدّث فيه الإمام الصدر فقال:« نريد حقّ كلّ محروم من أيّ فئة كان، علينا أن نقف إلى جانبه؛ حتّى طغيان سلطة على سلطة لا نقبل به، حقّ الشعب وحقّ الفئات وحقّ الطوائف يجب أن يصل».
احتفال في بدنايل – البقاع:
وبمناسبة ذكرى وفاة الإمام زين العابدين"ع"، أقيم في بلدة بدنايل (البقاع) احتفال ديني حضره حشد كبير من المحرومين تحدث الامام الصدر فيه عن الحرمان واشكاله وحقوق المحرومين وقال:
« هذا عهدي معكم.. الكلمة الّتي أقولها إنّنا نريد تغيير هذا الفصل المخزي، ونصل إلى الحقّ كراماً صادقين. وتأكّدوا أنّ جميع الأخوة اللبنانيّين والشرفاء في هذا البلد يؤيّدون حقوقكم ومطالبكم.. أخيراً أنقل إليكم تحيّات وعواطف من إخوانكم في الجنوب الصامد..».
تأبين في جبشيت :
وتكبر الصرخة في بلدة جبشيت في 25/2/1974 (قضاء النبطيّة) الّتي تحوّل فيها الاحتفال التأبيني بمناسبة ذكرى أسبوع إلى مهرجان حاشد، فيقول الإمام الصدر:
« أنا سائر في هذه الطريق لا لجاه ولا لرغبة ولا لمال ولا لسياسة، وأذكّر أنّ في هذه المعركة لا وجود للحلول الوسط، فانتظروا كلمتي كلمة الفصل، وسنبذل كلّ شيء في هذا السبيل، فالبلد إذا استمرّ هكذا، فإنّه مقبلٌ على الدمار، ونحن نريد أن نمنع الدمار. نريد أن نضع حدّاً للاستغفال الحاضر، فليسمح لنا المسؤولون أو لا يسمحوا، وليسمح لنا التاريخ أن ننفّذ ما كان عليه أجدادنا ».
هذه الكلمات هزت الوجدان و دخلت بأعماق قلوب الجماهير
المحرومة من كافة الطوائف في لبنان التي زحفت الى مهرجاني بعلبك و صور الذين شكّلا عام 1974 المدماك لاول لإنطلاقة حركة المحرومين - أمل كحركة لها أيديولوجيّتها ورؤيتها السّياسيّة والفكريّة في إطارٍ جماهيريّ عريض .
وليس من الصّدف أن تكون هذه الإنطلاقة في ذكرى أربعين الإمام الحسين عليه السّلام في بعلبك بما تشكّله هذه المناسبة من دلالات كبيرة على مستوى فكر الحركة و عقيدتها.
[img]
[/img]
مكاني بينكم عرشي قلبكم قوتي يدكم حارسي عيونكم مجدي اجتماعكم
استهلّ سماحة الإمام القائد السّيّد موسى الصّدر كلمته بقوله :
"عندما دخل أسرى آل البيت ورأس الحسين وأصحاب الحسين هذه المدينة (في طريقهم الى الشام) قالت الدولة يومها أنّ الخوارج يريدون دخول بعلبك، ولما وصل الأسرى سألهم الأهالي: من أنتم؟، فقالت لهم زينب بنت علي: نحن من أسرى آل محمد فثار أهل بعلبك، وهجموا على عملاء الدولة، وطردوهم من البلد، وبنوا مسجداً سُمي مسجد رأس الحسين، كما بنوا مقاماً لبنت الحسين التي ماتت من عذاب الطريق..
كان ذاك الاحتفال الأول بهذه الذكرى، واليوم نحتفل بذكرى الأربعين ولمناسبة متشابهة من المواقف والأهداف ومن حملة التضليل..
والمواقف هي أنّ الحسين اعتبر يوم خروجه أنّ مجرد عدم إحقاق الحق وإزهاق الباطل كاف لأن يرغب المؤمن في لقاء ربه والاستشهاد في سبيله..
نحن اليوم نرى أنّ الحق لا يُعمل به والباطل لا ينهى عنه وننظر أيضاً الى التشكيك والتشويش والى الغبار الذي أثاروه، فكادت العيون لا ترى.. نحن هنا لأننا رفضنا الخضوع للتضليل.. اجتمعنا لنرفضه كما رفضه أجدادنا.. "
ثمّ أشار الإمام الصدر إلى إهمال السلطة للمناطق المحرومة.
ثمّ تحدّث الإمام الصدر عن حملات التشكيك في دوره، والتضليل حول أهدافه، والترقّي في هذه الحملات بعد سدّ الأبواب على مواردها الموهومة فقال:
« أوّلاً قالوا إنّ وراء هذه الحركة دول أجنبيّة، ولهم مخطّطات سياسيّة. الّذين قالوا ذلك غارقون لرأسهم بالعمالة للأجانب. ولكنّنا صبرنا، وأخذنا السلاح من أيديهم. وسرعان ما انكشف أنّ حركتنا وطنيّة صادقة تنبع من إيماننا بالله، ومن إيماننا بالوطن، ومن رغبتنا في صيانة وطننا وكرامة المواطنين، وقيامنا بدورنا الواجب في معركة أمّتنا. أخذنا منهم هذا السلاح فعادوا وقالوا إنّ السيّد موسى يريد رئاسة المجلس الشيعي ما دام العمر. سحبنا المشروع من مجلس النوّاب حتّى لا يبقى مجال لهذا الأمر، لكنهم أصرّوا على أنّني أريد رئاسة المجلس الشيعي.
أقول: يا جماعة، أنا لا أريد هذا! أعطوني طلباتي الآن وخذوا استقالتي! علاقتي مع الناس ليست من خلال رئاسة المجلس الشيعي.. لا نريد إلاّ حقوقنا فقط! أدرِكوا هذا! إذن، الأمور لا تسير كما يريدون.. ثمّ بدأوا بالكلام عن الخلاف، الخلاف داخل الطائفة.. وجماعة أخرى مثل أوركسترا يحكون عن المصالحة.. المصالحة حرصاً على مصالح الطائفة. ماذا يحدث يا جماعة؟ والله! ليس هناك خلاف! أطلب حقوق الطائفة، والذي يسعى في سبيل تأمين حقوق الطائفة هو على الرأس والعين! وجدوا أنّ الطلب جدّي.. جازم، فقاموا ينشرون أخبار الخلاف! وها أنا أُعلن أمامكم وفي هذه الحفلة الكريمة: نحن طلاّب حقّ، لسنا ضدّ أيّ إنسان، نطالب بحقّنا، ولكن لا نتنازل عنه أبداً.
في قراءة متأنّية لمقتطفات من هذه الكلمة نجدها شّاملة بمعانيها ونجد الرّبط بين الوقائع المرتبطة بثورة الإمام الحسين و الأسباب الموجبة التي دفعته إلى تأسيس هذه الحركة المباركة .
وختم الإمام بالقسم الّذي ردّده خلفه الحاضرون جميعاً على اختلاف التقدير في مجموعهم ما بين 75 ألفاً و120 ألفاً من الناس..
القسم المبارك :
[img]
[/img]
إنه لقسمٌ عظيم
« نحلف بالله العظيم وبالنبي الكريم وبشرف الإنسانيّة..أن نستمرّ في طريق المطالبة بحقوق الطائفة.. دون خوف.. ولا تراجع ولا مساومة. وسنقف مع كلّ مظلوم ومع كلّ ضعيف ولا نرجع عن ذلك ولا نتوانى.. هذا ميثاقنا، وشرفنا، وديننا، وعرضنا، ومستقبل أولادنا، وصيانة وطننا. سنبقى في الخطّ وسنوحّد جهودنا وننسّق مواقفنا شهداء في سبيل الله، والله على ما نقول شهيد، وملائكته شهداء، وأنبياؤه شهداء، وأرواح الشهداء والصدّيقين والصالحين وعباده الطيّبين يشهدون على ذلك. سنبقى إلى جانب الحقّ وإلى جانب الوطن نخاصم أعداءه، نخاصم إسرائيل ونخاصم أصدقاء إسرائيل ونخاصم مَنْ وراء إسرائيل، والله من وراء القصد».
حول القسم في المهرجان :
[img]
[/img]
في الكلمة الافتتاحيّة الّتي ألقاها الإمام الصدر في المؤتمر التأسيسي الأوّل لحركة المحرومين أوضح فكرة القسم الّذي أنشأه حين خطابه وردّده من خلفه عشرات الألوف من الحشود البشريّة في مهرجان بعلبك، حيث قال:
« شهد الله أنّني لم أكن مستعدّاً ومفكّراً بالقسم قبل ذلك اليوم.
صباح ذلك اليوم كنت أنا والشيخ محمّد، تركنا شتورا وجئنا إلى بعلبك، في الطريق - وهذا دليل على أنّ الله سبحانه وتعالى قد أجرى ذلك - لم نفكّر بالقَسَم - وأنا أستشير رفاقي بالكلمة - لا أحد فكّر أنّ هناك قَسَمٌ، ولكنْ كان القَسَم! وهذا دليل على أنّ الله سبحانه وتعالى مرّة أخرى، أراد أن يدفعنا باتّجاه العمل النضالي الشاقّ المنظّم، ولا يريد منّا خطاباً جماهيريّاً فحسب! فكان القسم! والقسم التزام كما تعلمون».
[img]
[/img]
صاحب الأمانة مع حامل الأمانة
وقد أعلنت مئة وتسعون شخصيّة تعاطفها مع حركة الإمام الصدر الّتي أطلقها في 17 آذار 1974، وقد دعت هذه الشخصيّات السلطة إلى تحمّل مسؤولياتها التاريخيّة تجاه هذه الحركة، وكانت هذه الشخصيّات قد عقدت اجتماعاتها في بيروت بتاريخ 4و5و 6/11/1974، ووضعت أُسساً ومبادئ تمّ الاتّفاق عليها، ووُزّعت بشكل بيان وقّعه كافّة الشخصيّات.
ويقول الشهيد د. مصطفى شمران في هذا المجال:
[img]
[/img]
حركة أمل حركة التكامل التاريخي
"منذ ذهابي الى لبنان في سنة 1971م نظّمتُ دروساً في الثقافة الإسلامية، وانتخبتُ من كل قرية واحداً أو اثنين من المعلّمين الملتزمين، فبلغ مجموعهم حوالى 150 شخصاً، واستمر نصفهم حتى النهاية ليشكّلوا النواة الأولى لحركة المحرومين في الجنوب وبهذا الأسلوب نظّمنا نخبة الشباب المؤمنين الذين أصبحوا فيما بعد كوادر حركة المحرومين وأفواج المقاومة اللبنانية "أمل"، وقد توجّه الشيعة أفواجاً أفواجاً للالتحاق بهذه النهضة الرسالية القائمة على أساس العقيدة الإسلامية ومدرسة علي والحسين (ع)، لكننا امتنعنا عن استقبالهم جميعاً لأننا لم نكن بقادرين على استيعابهم، فقرّرنا استقبال المعلّمين والطلاب لنصنع منهم الكوادر لأننا كنّا نعتبر أنّ جميع الشيعة أعضاء في حركتنا ولا داعي لتسجيل أسماءهم في سجلاتها، كما أنّنا لم نشأ أن تتحول الحركة الى دكّان يدخل إليها ويخرج منها كل فكر وإنسان متى يشاء، لا سمح الله تصبح عندها مثل بقية الأحزاب اللبنانية الفاسدة التي تعتمد على الكذب والاتهام وفرض الخوّات وسرقة أموال الناس والدولة وتوزيع المنافع والغنائم.
وقد أكّدتُ منذ البداية بأنّنا أسّسنا حركة وليس حزباً، وأردناها لتهذيب النفس بالدرجة الأولى وليس من أجل المنافع المادية والمصالح الشخصية، وذكرنا الأساس الفكري في البند الأول من ميثاق الحركة (الإيمان بالله..)، فطالما أنّ الإنسان لم يعرف الله ويؤمن به إيماناً حقيقياً لا يمكن أن ينضم الى صفوف الحركة، وأردنا انضمام الإنسان الذي يهدف من حياته لرضا الله، ويقاتل في سبيل الله، ويسعى ليكون خليفة الله في الأرض، وأن تكون صفاته وأعماله مظهر صفات الله وأعماله وباختصار أردنا نموذجاً يمثّل عليّ والحسين (ع).
فعقيدة الحركة هي العقيدة الإسلامية التي أصبحنا الممثلّين لها والمجسّدين لتعاليمها، وليس إسلام المشايخ الجامد وإسلام الإقطاعيين وإسلام العجائز والإسلام التقليدي.. وقد انتشر هذا الفكر وهذه الحركة بسرعة، وأقول بصدق أنّ استمرار هذا الفكر وتقدّمه يعود لبركة وجود الإمام موسى الصدر"..
من حركة الإمام الّتي ما عرفت الهدوء يوماً، من معاناة الإنسان في لبنان، ومن قلب القضيّة الفلسطينيّة وقضيّة الإنسان في حقوقه، ولدت حركة المحرومين امتداداً حقيقيّاً لحركة الأنبياء في التاريخ، هكذا أرادها مؤسّسها وهكذا دخلت إلى قلب الحدث في لبنان ...
قاتلتْ - وما تزال - كلّ مشاريع التقسيم والتجزئة للوطن، وناضلت بشرفٍ – وماتزال - لإصلاح النظام السياسيّ في لبنان. وقبل كلّ ذلك، كان لها شرف التصدي والمقاومة لقوّات العدوّ الإسرائيلي منذ انطلاقها وصولاً إلى دحر قوّات الاحتلال في العام 2000م، وما زالت مستمرّة.
خلال هذه المسيرة الرائدة قدّمت حركة أمل بضعة آلاف من الشهداء وأضعافهم عدداً من الجرحى والأسرى في سبيل بقاء الإنسان في لبنان، ومن أجل بقاء لبنان في قلب إنسانه...